اللغة المكتوبة تسبق اللغة الشفهية في عملية التواصل اللغوي
لطالما كان السؤال عما إذا كانت اللغة المكتوبة تسبق اللغة الشفهية أم العكس موضوع نقاش بين العلماء واللغويين. ويعتقد الكثيرون أن اللغة المكتوبة ظهرت بعد اللغة الشفهية وأنها كانت مجرد أداة لتسجيل ما تم التحدث به بالفعل. ومع ذلك، هناك أدلة متزايدة تشير إلى أن اللغة المكتوبة قد تكون في الواقع سابقة للغة الشفهية وأنها لعبت دورًا حاسمًا في تطور التواصل اللغوي.
اللغة المكتوبة كوسيلة للتسجيل
كانت إحدى النظريات الرئيسية هي أن اللغة المكتوبة تطورت كوسيلة لتسجيل اللغة الشفهية. وبمجرد ظهور اللغة المنطوقة، احتاج الناس إلى طريقة لحفظ وتبادل المعلومات. واستخدمت الرسومات والرموز في البداية، والتي تطورت في النهاية إلى أنظمة الكتابة التي نعرفها اليوم.
وتدعم هذه النظرية حقيقة أن العديد من أقدم أشكال الكتابة كانت قائمة على التمثيلات الصوتية. على سبيل المثال، استخدمت الهيروغليفية المصرية رموزًا تمثل أصوات الكلمات المنطوقة. وبالمثل، استخدمت الأبجدية الفينيقية رموزًا لتمثيل الأصوات الفردية.
ومع ذلك، هناك أيضًا بعض المشكلات في هذه النظرية. أحد التحديات هو أن أقدم الأمثلة على الكتابة غالبًا ما تكون متطورة للغاية. على سبيل المثال، تحتوي الهيروغليفية المصرية على أكثر من 700 رمز، وهو عدد كبير بشكل مثير للإعجاب لنظام الكتابة الذي يُفترض أنه تم تطويره لتسجيل اللغة الشفهية.
اللغة المكتوبة كشكل من أشكال التواصل
تتحدى النظرية البديلة أن اللغة المكتوبة لم تكن مجرد أداة للتسجيل، بل كانت في الواقع شكلًا من أشكال التواصل في حد ذاتها. ووفقًا لهذه النظرية، تطورت اللغة المكتوبة من خلال عملية منفصلة عن اللغة الشفهية واستخدمت لأغراض مختلفة.
هناك عدد من الأدلة التي تدعم هذه النظرية. أولاً، وجد أن بعض أقدم أشكال الكتابة لا تمثل الكلام المنطوق. على سبيل المثال، تحتوي لوحات فينوس دي لوسيلي على رموز لا تتوافق مع أي لغة شفهية معروفة.
ثانيًا، غالبًا ما تستخدم اللغة المكتوبة بطرق مختلفة عن اللغة الشفهية. على سبيل المثال، يمكن استخدام اللغة المكتوبة للتعبير عن الأفكار المعقدة بطريقة لن تكون ممكنة من خلال الكلام المنطوق.
التأثير المتبادل بين اللغة المكتوبة واللغة الشفهية
بغض النظر عن أي نظرية يتم تبنيها، فمن الواضح أن اللغة المكتوبة واللغة الشفهية قد أثرتا على بعضهما البعض بطرق عديدة. على سبيل المثال، ساعدت اللغة المكتوبة على توحيد اللغة الشفهية وتقليل الاختلافات الإقليمية. وفي المقابل، أثرت اللغة الشفهية على طريقة استخدام اللغة المكتوبة وجعلتها أكثر طبيعية وسهولة في الفهم.
مسألة ما إذا كانت اللغة المكتوبة تسبق اللغة الشفهية أم العكس هي مسألة معقدة ليس لها إجابة سهلة. ومع ذلك، فإن الأدلة المتوفرة تشير إلى أن اللغة المكتوبة قد تكون في الواقع سابقة للغة الشفهية وأنها لعبت دورًا حاسمًا في تطور التواصل اللغوي.