جزى الله الشدائد كل خير
المقدمة
إن الحياة متقلبة لا تخلو من الفرح والحزن، واليسر والعسر، والرخاء والشدة، ولا شك أن الشدائد واحدة من الأمور التي تكثر في دروب الحياة، وإن حكمة الله -تبارك وتعالى- بالغة في أن جعلها من أقوى العوامل لصقل النفوس، وتنقية القلوب، وتهذيب الأخلاق. إن الشدائد بلاء واختبار، ومنحة وهدية، قال تعالى: ﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ ﴾ [العنكبوت: 2].
تقوية الإيمان وتذكير الإنسان بربه
عندما يواجه المسلم شدة أو مصيبة، فإن ذلك يدفعه إلى التضرع إلى ربه، والإلحاح عليه في الدعاء، والتقرب إليه بالطاعات، والتوبة النصوح من الذنوب والمعاصي، قال تعالى: ﴿ فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ ﴾ [العنكبوت: 65].
كما أن الشدائد تذكر الإنسان بنعم الله تعالى عليه، وتحفزه على شكرها، فالمريض يشكر الله على الصحة والعافية، والمعدم يشكر الله على الغنى، والمظلوم يشكر الله على العدل والنصر، قال تعالى: ﴿ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ ﴾ [إبراهيم: 7].
تنقية القلوب وتصفية النفوس
الشدائد بمثابة النار التي تحرق الشوائب والخبث، كذلك هي الشدائد تحرق وتذيب المعاصي والذنوب، وتصفى القلوب من الغل والحقد والحسد والضغائن والأحقاد، وتخرج منها حب الدنيا والحرص عليها، قال تعالى: ﴿ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ﴾ [الأنبياء: 35].
كما أن الشدائد تجبر الإنسان على مراجعة نفسه ومحاسبتها، والوقوف على أخطائه ومعالجتها، والتخلص من العادات السيئة، وتغيير المسار إلى الطريق السليم، قال تعالى: ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ ﴾ [محمد: 31].
تهذيب الأخلاق وتقويم السلوك
الشدائد مدرسة عظيمة لتهذيب الأخلاق وتقويم السلوك، فهي تعلم الإنسان الصبر والتحمل، والحلم والوقار، والرضا والقناعة، والتواضع والمسكنة، قال تعالى: ﴿ وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [هود: 115].
كما أنها تعلمه الإيثار والتضحية، والتراحم والتكافل، والتعاون والتكاتف، قال تعالى: ﴿ وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ﴾ [الحشر: 9].
تنمية المهارات والقدرات
الشدائد بمثابة التحديات التي تدفع الإنسان إلى استنفار كل طاقاته وإمكاناته، وتجعله يبحث عن الحلول والبدائل، وتساعده على اكتشاف مواهبه وقدراته، قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ ﴾ [البلد: 4].
كما أنها تصقل شخصيته وتصنع منه إنسانًا قويًا صبورًا محتملاً للصعاب، قادرًا على مواجهة التحديات، قال تعالى: ﴿ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ﴾ [الشرح: 5].
توفيق الله تعالى وتسديده
من رحمة الله تعالى بعباده أن يوفقهم في الشدائد، ويسددهم إلى الطريق الصحيح، قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ﴾ [العنكبوت: 69].
كما أنه يعينهم على تحمل أعبائها، ويثبتهم عند وقوعها، قال تعالى: ﴿ فَاصْبِرْ إِنَّ الْوَعْدَ مَحْقٌّ ﴾ [فصلت: 43].
أجر عظيم وثواب جزيل
إن جزاء الصابرين المحتسبين عند الله تعالى عظيم، قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [الزمر: 10].
فالصابرون المحتسبون عند الله تعالى هم الفائزون، قال تعالى: ﴿ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [الأعراف: 128].
الخاتمة
إن الشدائد بلاء واختبار، ومنحة وهدية، ولكنها في حقيقتها خير كثير لمن صبر واحتسب، فهي تصقل النفوس، وتنقى القلوب، وتهذب الأخلاق، وتقوي الإيمان، وتنمي المهارات، وتوفيق الله تعالى وتسديده، وأجر عظيم وثواب جزيل. فجزى الله الشدائد كل خير.