الوفاء: رباط مقدس في الإسلام
الوفاء صفة نبيلة عظمها الدين الإسلامي وجعلها من أهم خصال المؤمنين. وهي تعني الالتزام بالعهد والوعد، وإيفاء الحقوق، ونصرة المظلومين، وبر الوالدين، وإعانة المحتاجين، وصلة الرحم، وغير ذلك من الأعمال الصالحة التي تزيد الإنسان قربًا من ربه وعلوًا في درجات الإيمان.
مظاهر الوفاء في الإسلام
يتجلى الوفاء في الإسلام في صور عديدة، منها:
الوفاء بالعهود والمواثيق
حث الإسلام على الوفاء بالعهد مع الله تعالى ومع الناس، قال تعالى: وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا[النحل:91].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: “لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له”.
ولا يقتصر الوفاء بالعهود على المسلمين فقط، بل يشمل أيضًا غير المسلمين، قال تعالى: وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولاً[الإسراء:34].
إيفاء الحقوق
يشمل الوفاء إيفاء الحقوق للآخرين، سواء كانت حقوقًا مالية أو معنوية. قال تعالى: وَآتُوا حَقَّهُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَذِي الْقُرْبَى[الروم:38].
كما يوجب الوفاء أداء الأمانات ورد الديون والوفاء بالوعود وغير ذلك مما أوجب الشرع أداءه.
نصرة المظلومين
من مظاهر الوفاء نصرة المظلومين ورفع الظلم عنهم. قال تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ[المائدة:2].
ونصر المظلومين قد يكون قولًا أو فعلًا أو نصرة معنوية، كالدعاء لهم أو فضح الظالمين.
بر الوالدين
يعد بر الوالدين من أعظم صور الوفاء في الإسلام. قال تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا[الإسراء:23].
ويكون بر الوالدين بطاعتهما والإحسان إليهما والدعاء لهما والإنفاق عليهما وغير ذلك من أعمال الخير.
صلة الرحم
صلة الرحم من أخلاق المسلم المؤمن وهي تعني التواصل مع الأقارب وصلة الأرحام. قال تعالى: وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ[الأحزاب:6].
ويشمل الوفاء في صلة الرحم زيارتهم والإنفاق عليهم ومساعدتهم في أوقات الشدة وغير ذلك من أعمال الخير التي تؤكد على الوفاء.
إعانة المحتاجين
يعد إعانة المحتاجين من صور الوفاء في الإسلام. قال تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ[المائدة:2].
وإعانة المحتاجين تكون بالإنفاق عليهم بالمال أو الطعام أو الملابس أو مساعدتهم في قضاء حوائجهم وغير ذلك من أعمال الخير.
الوفاء بالعهود التي تطلب قربى ومنفعة
يشمل الوفاء أيضًا الوفاء بالعهود التي تطلب قربى ومنفعة، مثل الوفاء بالعهود الزوجية أو عهود الشراكة في الأعمال.
وهذه العهود تحظى باهتمام خاص في الإسلام، لأنها تمثل نوعًا من الوفاء الذي يرتبط بمصالح الناس وحقوقهم.
أهمية الوفاء في الإسلام
للوفاء أهمية بالغة في الإسلام، فهو:
دليل على الإيمان: فالمؤمن الصادق هو الذي يفي بعهوده ويلتزم بحقوق الآخرين.
سبب لدخول الجنة: قال النبي صلى الله عليه وسلم: “من أدى أمانته ووفى بعهده دخل الجنة”.
سبب لبركة العمر والرزق: قال تعالى: وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا إِنَّكُمْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ[النحل:91].
سبب لبناء المجتمع المسلم: فالمجتمع الذي يقوم على الوفاء والالتزام بالعهد والميثاق هو مجتمع متماسك وقوي.
سبب لانتشار الخير والعدل: فالوفاء بالعهد وإيفاء الحقوق يقضي على الظلم والفساد وينشر الأمن والاستقرار في المجتمع.
آثار الوفاء في الدنيا والآخرة
للوفاء آثار إيجابية عديدة في الدنيا والآخرة، منها:
في الدنيا
كسب ثقة الآخرين: فالوفاء يجعل الناس يثقون بك ويعتمدون عليك وهذا يفتح لك ابوابا كثيرة في حياتك.
الراحة النفسية: فالمؤمن الذي يفي بعهوده ويرعى حقوق الآخرين ينعم براحة نفسية وطمأنينة قلبية.
الدعم الاجتماعي: فالمؤمن الوفي يحظى بدعم اجتماعي كبير من أهله وأصدقائه وجيرانه.
في الآخرة
رضا الله تعالى: فالوفاء من الأعمال الصالحة التي يرضى الله تعالى عنها ويجزي عليها عباده خير الجزاء.
دخول الجنة: فالوفاء بالعهود من أسباب دخول الجنة، قال تعالى: وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا إِنَّكُمْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ[النحل:91].
النصر والتمكين: فالوفاء يجعل المؤمن قويًا ومنصورًا في الدنيا والآخرة، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ[الصف:4].
الوفاء في حياة النبي صلى الله عليه وسلم
كان النبي صلى الله عليه وسلم مثالاً وقدوة في الوفاء. فقد وفى بعهده مع قومه ومع الآخرين. ومن أشهر مواقفه التي تدل على وفائه ما يلي:
وفائه بعهده مع قريش في صلح الحديبية.