شعر عن السفر قصير
تنقل السفر متعة غنية بالخبرات والثقافات المختلفة، وهذه المتعة كان لها نصيب في الأدب حيث عبر كثير من الشعراء و الأدباء عن روعة السفر وجاذبيته.
رؤية العالم
السفر يجلى للعين حقائق العالم وينير البصائر، يرى المسافر المدن المختلفة والبحار والصحارى والغابات.
يقول المتنبي:
و تَغرَبُ عنّا الشمسُ نلقاها بطلعةِ وجهٍ آخَرَ شرقِ
ويقول أحمد شوقي:
تَسافرُ في الآفاقِ تَلهو مجربًا عواقبَ صَرفِ الدهرِ والأيامِ
ويقول أبو العتاهية:
وإنَّا إذا سِرنا إلى بلدٍ لكسبِ المُرادِ أو لدفعِ مُصيبةِ
وجدنا لَه أهلًا كأهلِ بلادِنا نرى منهمُ أخلافَهُم و شُبِهًا
معرفة الثقافات
طريق العبور الحقيقي لمعرفة ثقافات الشعوب هو السفر الذي يسهم في إذابة الفجوة بين الشعوب و التقارب فيما بينها.
يقول ابن بطوطة:
وسِرنا من هذا الموضع إلى مدينةِ تُسمى السنغال، وهي مدينةٌ عظيمة، وأهلها مسلمون، وأكثرُهم من الزُّنُوجِ المُلثمين.
ويقول الجاحظ
وإذا أراد الرجلُ أن يتخذَ صاحبًا، فلا يتخذهُ حتى يُجربَهُ بالسفر، فإنه، لا يُعرَفُ طباعُ الرجال، إلا في الأسفار
ويقول درويش المصري:
خلِ الصحبةَ التي تُبعدك عن ربِّكْ ولا تصحبْ مَنْ إذا غبتَ نَبَشْ سِرَّكْ
وخالطْ مَنْ يُحبُّك في ذاتِهِ ولا تصحبْ مَنْ ودُّه عندَ غِنىً وكَسْرِكْ
اكتشاف الذات
يعتبر السفر بمثابة مرآة تعكس الذات، يكتشف المسافر في رحلاته الكثير من خفايا نفسه وقدراته.
يقول أحمد شوقي:
سافر تُرى الأوطانَ والناسا ولا تضع حلَّ الرحيلِ ببلدِ
ما في الحياةِ كمثلِ تجربةِ يخطُّ أيامَ الهَناءِ بيدِ
ويقول جلال الدين الرومي:
سافِرْ في ذاتِك واكتسِف مَن تكونُ في السَّفَر تَلقى عن كُنهِك الفُنونَا
أنتَ مِن أوطانِ رَبٍّ العرشِ فأفِق أنَّكَ في طينِ الدُّنيا لا تكونَا
ويقول نزار قباني:
أيُّها اللّائعُ في فجر السَّفَرْ أخجلَتني كلُّ أيامِ انتظاري
ربَّما أعطيتُ عمري كُلَّه لشقائي يا حبيبي لا تُطَليْ
إثراء الخيال
يُطلق السفر للأفكار والأحاسيس العنان، تتنوع المشاهد وتتبدل العادات والتقاليد، كل هذا الثراء يصب في رصيد المسافر.
يقول ابن بطوطة:
فلمّا وصلنا إليها دخلناها، فإذا هي مدينةٌ عامرةٌ، وأهلُها مسلمون، ولها سورٌ من حجارةٍ، وبها أسواقٌ وحماماتٌ كثيرةٌ، وبها فواكهٌ كثيرةٌ
ويقول الجاحظ:
وقد قال بعضُ الحُكماء: مَن لم يَسُدْ في قومِهِ، فلْيَسُدْ في قومٍ آخَرين، وقامَ آخرُ فقال: بل مَن لم يَسُدْ في قومِهِ، فلْيَسُدْ في نفسِه
ويقول درويش المصري:
إنِّي رأيتُ الناسَ بين محبٍّنا وبين مبغضٍ وبين مرائي
فمدحتُ ربي في جميع اصنافهم فأحببتُ كلَّ الخير للجميع
تحدي الذات
يفرض السفر تحديات لا حصر لها، تتطلب الجهد والمواجهة، وتدفع المسافر إلى التعلم والصبر.
يقول المتنبي:
أرى الموتَ يأتيني مطايا ويغدو ورائي مثلَ ظليّ
أخافُ فما يغني الحذارُ ومن يتقِ الموتَ يمتْ هُوِ
ويقول أحمد شوقي:
فلا تجزعْ إذا خُلْتَ لنفسِكَ وليسَ سواكَ في ظُلمِ الطريقِ
وعسى السَّفينةُ أن تُنجيكَ وهي تُعاني أهوالَ غمراتِ العريقِ
ويقول أبو العتاهية:
أرى طولَ سَفري في حياتي وأخشى سوءَ المنقلَبِ في حالِ مُنتقلي
وأنظرُ طولَ الليلِ كيما أُعينُ على شُغلِ أيامي بطولِ تَأملي
تكوين ذكريات خالدة
يسطر السفر أجمل الذكريات، فالمواقف والأماكن والناس التي يصادفها المسافر تبقى محفورة في ذاكرته.
يقول المتنبي:
وزارَني فغادَرَني مكروبا أُذاكرُهُ وأدمعي تهمالُ
تذكَّرتُ الصَّبا فأبكاني وأَعقبَهُ فزادني إجلالُ
ويقول أحمد شوقي:
عُدْتُ وقد لفَّ الفؤادَ شوقُهُ إلى الديارِ ولوعةُ الأشواقِ
عُدْتُ كما عادَ الربيعُ طلقًا يزهو بأبهى رونقٍ وإشراقِ
ويقول أبو العتاهية:
أجزتُ البحارَ بقدرةِ اللهِ وأدركتُ مأربي بفضلِ اللهِ
وكم من عوادي بحرٍ لاقيتُ وكم من سحاب أظلمَ ليلي
في الختام، فإن السفر حياة أخرى، تُكتشف فيها العوالم والثقافات والذات، وتُكتسب الخبرات، وتُصنع الذكريات، وتُخاض التحديات. ولعل هذا ما جعل الشعراء يخلدون السفر في أبياتهم، راسمين لوحته بألوان زاهية من الخيال والوجدان.