ما هو المدح ؟
المدحُ من خصالِ النُّبلِ، ولُغةً هوَ إظهارُ محاسنِ الممدوحِ، ومنْ حيثُ الاصطلاحُ فهو إظهارٌ لمحاسنِ الممدوحِ بآدابِ مخصوصةٍ. ويُعَدُّ المدحُ ضربًا من الكلامِ البديعِ الذي نَظَمه البُلغاءُ والنُّقادُ، وهوَ فنٌّ من فُنُونِ الأدبِ الرفيعةِ التي تكشفُ عن أخلاق المُمدِحِ، وحُسنِ صُنعِهِ، وهذا مِن جَمِيلِ الخصالِ التي تُدِيمُ الودَّ وتَصِلُ الأرحام.
شروط المدح
المدحُ فنٌّ قائمٌ على أُسُسٍ وأركانٍ تُحدِّدُ قيمتَهُ الأدبيَّةَ، ومن هذه الشُّرُوطِ ما يلي:
- أن يكون مبنِيًّا على الحقيقةِ والصدقِ، فلا يُبالِغُ المُمدِحُ في وصفِهِ ممدوحَهُ بمزايا وفضائلَ ليسَت فيه، وأن يكونَ خاليًا من الغُلوِّ والمُبالغةِ التي تَنزِلُ بِه في منزلةِ التَّملُّق.
- أن يكونَ فيه ابتكارُ معانٍ جديدةٍ يُؤدِّيها المُمدِحُ في قالبٍ بديعٍ، ولا يَقتصرُ على معانٍ قديمةٍ تُعِيدُ إلى الأذهانِ ما قيلَ سابقًا.
- أن يكونَ مراعيًا لمقتضيات الحالِ التي قيلَ فيها المدح، فلكلِّ مقامٍ مقالٌ، ولا يُستحسنُ إلقاء قصيدةٍ مدحيَّةٍ في مناسبةٍ لا تُناسِبُها.
أنواع المدح
يقسم المدح باعتباراتٍ عديدةٍ إلى أنواعٍ مختلفةٍ، منها:
- المدح الذاتي:
- مدح الغير:
وهوَ ما يَمدحُ فيهِ المرءُ نفسَهُ، وهذا النوعُ لا يُستحسنُ ولا يُؤجر عليه، فقد قال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: مَنْ مدح نفسه لم يُعطَهَا حقَّها.
وهوَ المدحُ الذي يَمدحُ به أحدٌ غيرَه، أَو يَمدحُهُ أحدٌ آخرُ، وهذا النوعُ هو الأكثر انتشارًا بين أنواع المدح، وهوَ الذي يُعنَى به أهلُ الأدب.
أساليب المدح
يتَّبعُ المُدِحُ أساليبَ شتَّى، منها:
- المدح المُباشر:
- المدح غير المباشر:
وهوَ ما يُصَرِّحُ فيهِ المُمدِحُ بمدحِهِ، ويُعبِّرُ عنه بلفظٍ واضحٍ صريحٍ مثل: (الحمد لله على نعمته، يا خيرَ الناسِ مَن مِثلك، أنتَ المجيدُ الكريمُ الرحيمُ).
وهوَ ما يُوحي فيهِ المُمدِحُ بالمدحِ من خلالِ التَّعريضِ، أو الإشارةِ، أو الرمزِ، كأن يقولَ: (هذا فارسٌ لا يُغلَبُ، أو هذا عالمٌ يُقدَّرُ علمُه).
أدوات المدح
يَستعينُ المُمدِحُ بِأدواتٍ لُغويَّةٍ تُساعدهُ على إبرازِ المدحِ، منها:
- الألوان البديعة:
- الأساليبُ البلاغيَّةُ:
- المبالغة والإغراق:
- التَّفخيم والتَّعظيم:
كالجناسِ والطباقِ والمُبالغةِ والاستعارةِ والكنايةِ، وتُضفي هذه الألوانُ على المدحِ جمالًا وضياءً وبهاءً، ومن أمثلةِ ذلك قولُ امرئ القيسِ يمدحُ فرسَهُ:
(كأنَّ قلبي في فمي صاعدٍ غذاً من السُّرورِ إلى الجناحِ).
كالتَّشبيهِ والاستعارةِ والكنايةِ، ويُحرصُ المُمدِحُ على استخدامِ هذه الأساليبِ لأنَّها تُضفي على المدحِ قوةً وتأثيرًا، ومن أمثلةِ ذلك قولُ بشارِ بنِ بُردٍ يمدحُ العباسَ بنَ الوليدِ:
(أنت البحرُ الذي ما زال يمُدُّ يمينًا وشمالاً كلَّ فيضٍ عميمِ).
وهما منْ الأدواتِ التي يستعينُ بها المُمدِحُ في إبرازِ مدحِهِ، بشرطِ أن تكونَ هذه المبالغةُ مقبولةً عندَ السَّامِعِين، ولا تَنزِلُ بالمدحِ إلى مستوى الغُلوِّ والمُبالغةِ المرفوضةِ، ومن أمثلةِ ذلك قولُ أبي فراس الحمداني:
(سأغني غناءَ كلِّ مُحبٍ مُسْرورٍ أغنى غناءَ المغنِّيات الثَّملِ).
وهوَ مِنْ أدواتِ المدحِ التي تمنحُ ممدوحَها عِظَمه وعلوَّ شأنِهِ على نحوٍ جميلٍ، ومن أمثلةِ ذلك قولُ المتنبي في مدحِ سيف الدولة الحمداني:
(فلا عجبٌ إذًا من أنْ تضعَ الحربُ أوزارها إجلالاً لكَ وإكبارًا).
خصائص المدح
يَمتازُ المدحُ بخصائصَ عديدةٍ تميِّزهُ عن غيرهِ من أنواعِ الكلامِ، منها:
- جمالُ الألفاظِ:
- الرقةُ واللينُ:
- الإيجازُ والتكثيفُ:
يُراعي المُمدِحُ انتقاءَ الألفاظِ المُزدانةِ والألفاظِ البديعةِ، ويوجِّهُ عنايتَهُ إلى السَّجعِ والتصريعِ والوزنِ والقافيةِ، ويهتمُ بالصورِ البيانيَّةِ والمجازاتِ والمحسناتِ البديعيَّةِ.
يقومُ المدحُ على الرقةِ والعذوبةِ واللينِ، وهوَ بَعيدٌ كُلَّ البُعدِ عن الخشونةِ والغلظةِ، ويُراعي المُمدِحُ أن تكونَ ألفاظُهُ ملائمةً لمقامِ المدحِ، فلا يستخدمُ ألفاظًا سوقيَّةً أو مُبتذلةً تُنزل من قيمةِ المدحِ.
يُركزُ المُمدِحُ على الإيجازِ والاختصارِ في مُدْحِهِ، فلا يُسهِبُ في الحديثِ، بل يُكثِّفُ أكبرَ قدرٍ من المعاني والصورِ البلاغيَّةِ في أقلِّ عددٍ من الكلماتِ، وذلكَ منْ أجلِ تركِ أثرٍ قويٍّ في ذهنِ السَّامعِ ونفسِهِ.
أهداف المدح
يهدفُ المدحُ إلى تحقيقِ مقاصدَ وأهدافٍ عديدةٍ، منها:
- تقديرُ ممدوحِهِ وتمجيدُ فضائلهِ ومناقبِهِ وإظهارِها للناسِ.
- إسعادُ ممدوحِهِ وحببُ الكلامِ إليه وإطراءِ أدبه وكرمِهِ.
- الحثُّ على الفضائلِ وحبِّ الخيرِ والتمسُّكِ بالأخلاقِ الكريمةِ والتخلق بها والسير عليها وتحقيقِها على أرضِ الواقع.