لله الخفايا ولنا حسن الظنون
مقدمة
إن مبدأ ” لله الخفايا ولنا حسن الظنون” هو مبدأ إسلامي يسير عليه المسلمون في حياتهم، ويتمثل في ترك الحكم على أحد أو إصدار الأحكام المسبقة عليه، والاعتقاد بأن الله وحده هو المطلع على خفايا الأمور ومكنونات القلوب، وأن الواجب على المسلم إحسان الظن بالآخرين، وعدم التسرع في إدانتهم أو اتهامهم بالسوء.
أبعاد مبدأ حسن الظن
يتفرع عن مبدأ حسن الظن عدة أبعاد هامة منها:
البعد العقائدي:
يرتبط هذا البعد بالإيمان بالله تعالى، والإيمان بأن الله هو وحده الأعلم بحقائق الأمور، وأنه لا يحق لأحد أن يحكم على غيره بالسوء أو يتهمه به دون دليل.
البعد الأخلاقي:
يرتبط هذا البعد بالفضائل الأخلاقية التي يدعو إليها الإسلام، مثل الرفق واللين والتعاون، ويتجسد في حسن الخلق والمعاملة الطيبة مع الآخرين، وعدم التسرع في الحكم عليهم.
البعد الاجتماعي:
يساعد مبدأ حسن الظن على خلق مجتمع متماسك يسوده الاحترام والثقة المتبادلة، ويسهم في بناء علاقات إيجابية بين أفراده، ويقلل من فرص النزاعات والمشاكل.
صور إحسان الظن
يتجلى إحسان الظن في عدة صور منها:
تفسير أفعال الآخرين بأحسن ما يمكن:
فإذا رأى المسلم من أخيه فعلًا يحتمل الوجهين، حمل الفعل على المحمل الحسن ما أمكن، واعتقد فيه الخير، ولا يتسرع في اتهامه بالسوء.
عدم تتبع عورات الآخرين:
فمن إحسان الظن بالمسلم تجنب تتبع عورات الناس، وعدم البحث عن أخطائهم أو التشهير بهم، بل يجب ستر عيوبهم وستر ذلاتهم.
عدم إطلاق الأحكام على الآخرين:
فمن إحسان الظن بالمسلم عدم التسرع في إصدار الأحكام على الآخرين، وعدم اتهامهم بالسوء أو الفساد بمجرد ظهور بعض الشواهد الظاهرية، فربما يكون هناك أسباب أو ظروف تخفى علينا.
منافع إحسان الظن
يحقق إحسان الظن للفرد والمجتمع العديد من المنافع منها:
طمأنينة القلب والروح:
فمن يكثر من إحسان الظن بالله تعالى وبالناس يعيش مطمئن البال منشرح الصدر، لا يعاني من الوساوس والشكوك والظنون السيئة.
تحصيل الأجر والثواب:
فقد وعد الله تعالى من أحسن الظن به وبعباده بالأجر والثواب الجزيل، كما في قوله تعالى: والذين آمنوا و عملوا الصالحات لهم مغفرة و رزق كريم [ الأحزاب: 31]
تقوية الروابط الاجتماعية:
فإحسان الظن هو أساس التعامل الحسن مع الآخرين، ويؤدي إلى تقوية الروابط الاجتماعية، وبناء مجتمع تسوده المحبة والتعاون والتراحم.
أضرار سوء الظن
في المقابل، فإن سوء الظن يترتب عليه العديد من الأضرار منها:
قلق القلب واضطرابه:
فمن يكثر من سوء الظن بالله وبالناس يعيش قلقًا مضطربًا، لا يهنأ له بال ولا يطمئن له قلب.
الوقوع في الإثم والعدوان:
فقد يؤدي سوء الظن بالآخرين إلى التسرع في اتهامهم والافتراء عليهم، وهذا من كبائر الذنوب التي نهى الله تعالى عنها.
هدم العلاقات الاجتماعية:
فسوء الظن هو سبب رئيسي في هدم العلاقات الاجتماعية وتفكك المجتمع، إذ يؤدي إلى فقدان الثقة والتقاطع والتنافر بين أفراده.
موانع إحسان الظن
ثمة بعض الموانع التي قد تحول دون إحسان الظن بالله وبعباده منها:
الهوى والعصبية:
فالهوى والعصبية تدفع الإنسان إلى تفسير أفعال الآخرين بالوجه السيء، والانحياز إلى جانب معين.
التجارب السابقة:
فقد تؤدي التجارب السابقة السيئة مع بعض الناس إلى تنامي سوء الظن في قلب الإنسان، وإسقاط هذه التجارب على الآخرين.
الوساوس والشكوك:
فقد يتعرض الإنسان لوساوس وشكوك تدفعه إلى سوء الظن بالآخرين، دون وجود أدلة أو مبررات معقولة.
طرق العلاج والتغلب على سوء الظن
يمكن التغلب على سوء الظن واتباع مبدأ حسن الظن من خلال اتباع بعض الخطوات منها:
الإيمان بالله وتقواه:
فالإيمان بالله تعالى والإيمان بأن الله وحده هو المطلع على خفايا الأمور، يساعد على التخلص من وساوس الشيطان والشكوك والظنون السيئة.
محاسبة النفس:
فمن كان كثير الظن السيء بالآخرين فعليه أن يحاسب نفسه ويراجعها، ويتساءل عن أسباب سوء ظنه وعن مدى عدالة أحكامه.
تذكر عيوب النفس:
فعلى المسلم أن يتذكر عيوبه ونقائصه، وأن يعلم أن الآخرين معرضون للخطأ والنقص مثله، فلا يتعجل بإصدار الأحكام عليهم.
الخاتمة
إن اتباع مبدأ ” لله الخفايا ولنا حسن الظنون” من أهم الأخلاق التي ينبغي للمسلم أن يتحلى بها، فحسن الظن بالله وبالناس يجلب للإنسان والمجتمع السعادة والطمأنينة والبركة، أما سوء الظن فهو من الأخلاق الذميمة التي تؤدي إلى الخلاف والشقاق والعداوة.