الله سلمت امرًا لست أعلمه
في خضم الحياة المتقلبة، والأحداث المتسارعة، قد نجد أنفسنا أحيانًا في مواقف غير مألوفة، أو نواجه تحديات غير متوقعة، وفي هذه اللحظات، قد نشعر بشيء من الخوف أو الارتباك. ولكن في خضم هذه المشاعر، يجب أن نتذكر الحكمة الخالدة التي تقول: “الله سلمت أمرًا لست أعلمه”.
هذه العبارة ليست مجرد كلمات تُقال، بل هي مبدأ أساسي يجب أن يترسخ في قلوبنا، فهي تذكرنا بأن الله تعالى هو المدبر الحقيقي لأمورنا، وأن الأمور التي قد تبدو لنا معقدة أو مستحيلة هي في الواقع بين يدي الله، وهو وحده القادر على حلها وإيجاد مخرج منها.
وإيماننا بهذه الحقيقة يجب أن يبعث فينا بالطمأنينة والسكينة، فمهما كانت الظروف التي نواجهها، فإننا نعلم أن الله معنا، وأنه يرى ويعلم ما نمر به، وأنه لن يتركنا وحدنا.
وعندما نقول “الله سلمت”، فإننا نسلم أمرنا لله بكامله، لا نشرك به أحدًا، ولا نعتمد على أنفسنا أو على غيرنا، بل نضع ثقتنا الكاملة فيه، ونعلم أنه خير مدبر، وأرحم الراحمين.
وهذا التسليم لله لا يعني الجمود أو الاستسلام، بل على العكس، فإنه يمنحنا القوة والإرادة لمواجهة التحديات، والسعي لتحقيق أهدافنا بكل عزيمة وإصرار، لأننا نؤمن بأن الله معنا، وأننا تحت رعايته وحمايته.
وتجدر الإشارة إلى أن التسليم لله لا يعني أننا نتنصل من مسؤولياتنا، بل يعني أننا نضع في قلوبنا أن الله هو المدبر للأمور، وأننا نثق في تقديره وقضائه، مهما كان.
وفي خضم هذه الحياة المتقلبة، يجب أن نجعل “الله سلمت أمرًا لست أعلمه” شعارنا الذي نردده في كل لحظاتنا، فإنه بمثابة المرساة التي تثبتنا في أوقات العواصف، والبوصلة التي توجهنا في دروب الحياة.
التوكل على الله
إن التوكل على الله هو ثمرة الإيمان به، وهو أحد أهم أركان العقيدة الإسلامية، ويشمل التوكل على الله الاعتماد عليه وحده في تحقيق الأهداف، والرضا بقضائه وقدره، والإيقان بأن كل الأمور بأمره وتحت تصرفه.
وينطوي التوكل على الله على التخلي عن الاعتماد على النفس أو على غيرها، واليقين بأن الله وحده هو القادر على تحقيق الأماني وتدبير الأمور، فهو القادر على كل شيء، وهو على كل شيء قدير.
وعندما نوكل أمرنا إلى الله، فإننا نضع في قلوبنا أن الله كفيل برعايتنا وحمايتنا، وأنه لن يضيع جهدنا أو عملنا، بل سيثيبنا عليه خير الثواب.
الإيمان بالغيب
ومن مقتضيات الإيمان بالله التسليم لله والإيمان بالغيب، والغيب هو كل ما لا تدركه الحواس، وهو مما أخبرنا به الله تعالى أو رسوله الكريم، كالإيمان بالملائكة والجن والجنة والنار.
والإيمان بالغيب هو ركن أساسي من أركان الإيمان، ومن صفات المؤمنين الصادقين، وهو يربي في النفس الرضا والتسليم، ويجعلها مطمئنة إلى أن الله تعالى حكيم في كل أفعاله وتدبيره.
وعندما نؤمن بالغيب، فإننا نثق في وعد الله ووعيده، ونصدق بما أخبرنا به، ولو لم نره أو ندركه، فنحن نؤمن بأن هذا الكون لم يُخلق عبثًا، وبأن هناك غاية من وجودنا وحسابًا وعقابًا بعد الموت.
الصبر على البلاء
ومن ثمار التسليم لله الصبر على البلاء والشدائد، فالبلاء هو اختبار من الله تعالى لعباده، وهو دلالة على محبته ورحمته لهم، فهو يبتليهم ليؤجرهم ويصبرهم ويختبرهم في إيمانهم.
والصبر على البلاء هو إحدى العبادات العظيمة التي يثاب عليها العبد أجرًا كبيرًا، فالصبر يربي في النفس القوة والثبات، ويجعلها أكثر تقربًا إلى الله تعالى.
وعندما نصبر على البلاء، فإننا نستشعر قرب الله منا، ونعلم أنه هو من يبتلينا، وأنه هو وحده القادر على كشف الضر، ونلجأ إليه بالدعاء والتضرع، ونتوكل عليه في تغيير حالنا إلى الأفضل.
الدعاء إلى الله
والدعاء من أعظم العبادات التي يتقرب بها العبد إلى ربه، وهو سلاح المؤمن الذي لا ينقطع، فالله تعالى يحب أن يُدعى إليه، وهو يجيب دعاء عباده إذا دعوه.
وعندما ندعو الله تعالى، فإننا نعترف بضعفنا وحاجتنا إليه، ونثق في قدرته على إجابة دعائنا، ونعلم أنه هو وحده القادر على تفريج كربنا وإزالة همنا.
ويسن للمسلم أن يُكثر من الدعاء في كل وقت وحين، وأن يدعو الله بما يرضاه، وبما فيه صلاح دينه ودنياه وآخرته، وأن يلح في الدعاء ولا يمل، فالدعاء مفتاح الفرج ومخرج الهموم.
التوبة إلى الله
التوبة إلى الله هي ركن أساسي من أركان الإسلام، وهي رجوع العبد إلى الله تعالى بعد ارتكاب المعاصي والذنوب، والتوبة الصادقة تنطوي على الندم على الذنب والإقلاع عنه والعزم على عدم العودة إليه.
ويتقبل الله تعالى توبة عباده مهما عظمت ذنوبهم، فالله غفور رحيم، وهو يحب التوابين ويقبل توبتهم، والتوبة المجزية تكون بالندم على الذنب والإقلاع عنه والعزم على عدم العودة إليه.
وعندما نتوب إلى الله تعالى، فإننا نجدد عهدنا معه، ونعاهد أنفسنا على أن نطيعه ونمتثل لأوامره ونبتعد عن نواهيه، ونجعل التوبة بداية جديدة في حياتنا.
الاستغفار إلى الله
والاستغفار هو طلب المغفرة من الله تعالى على الذنوب والتقصير، وهو من العبادات العظيمة التي يحبها الله تعالى ويحب من يستغفره، والاستغفار هو بين العبد وربه، ولا يشترط له صيغة معينة.
ويسن للمسلم أن يستغفر الله في كل وقت وحين، وأن يدعو الله بالاستغفار في أوقاته وأماكنه المستحبة، والاستغفار من الذنوب يمحوها ويطهر القلب ويزيد في الحسنات.
ومع الاستغفار والتوبة يتجدد العبد ويطهر قلبه من ذنوبه وخطاياه، ويعود إلى فطرة الله التي فطر الناس عليها، ويكون الاستغفار نورًا يضيء به العبد في الدنيا والآخرة.