لله ما أعطى
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيقول الله تعالى في محكم التنزيل: لله ما أعطى ولله ما أخذ آل عمران/ 40. وهي آية عظيمة، جامعة، تشتمل على قاعدة كبرى، وقاعدة مهمة، وتُفيد هذا المعنى الجليل: أن المالك الحقيقي لكل شيء الله وحده، وأنه هو المُعطي بلا منازع، والآخذ بلا معقب، وأنه من شاء أعطاه من فضله، ومن شاء منعه رحمة به.
ولما كان كذلك فإنه يجب على الإنسان أن يقيم حياته ويعيشها وهو مقيم لهذه العقيدة في نفسه وقلبه، مؤمن بها يقينًا، فإن ذلك مما يُعين على صحة الإيمان، وصلاح الأعمال، وسلامة الدنيا والآخرة.
مقتضى هذه الآية
مقتضى هذه الآية عدَّة أمورٍ، منها:
- الإقرار بأن الله وحده هو المالك الحقيقي لكل شيء، والتصرف المطلق إليه، فلا شريك له في ذلك.
- أن ما عندنا من النعم والخيرات فإنما هي من فضل الله وإحسانه، وأنها ليست ملكًا لنا نتصرف فيها كما نشاء، بل هي لله، وهو الذي وهبها لنا، وأنعم علينا بها، متى شاء أخذها منا، ولم يملك أحدنا أن يقول شيئًا.
- أن على العبد أن يحسن التصرف فيما آتاه الله من النعم، وأن يشكر الله عليها، ولا يتكبر بمالٍ، ولا يبغي به علوًا في الأرض.
- أن الإنسان فقير إلى الله تعالى في جميع الأحوال، ضعيف لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًا، وأن الله غني عن خلقه، فلا يضرُّه شيءٌ، ولا ينفعه شيءٌ.
- أن على الإنسان أن يكون راضيًا بقضاء الله وقدره، وألا يتسخط ما قدره الله له، فإن ما أصاب المرء لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه.
- أن الإنسان لا يملك شيئًا من أمره، وأن الله هو الذي يفرق بين الناس في الرزق، وأن الإنسان إنما يأخذ من الدنيا ما كتبه الله له.
- أن على الإنسان أن يتفكر في آيات الله الكونية، وأن يتأمل في مخلوقاته، فإن ذلك من أعظم الأسباب التي تدل على وحدانية الله، وقدرته، وعظمته.
العطاء والمنع من الله سبحانه وتعالى
أما العطاء فهو من الله وحده، فهو الذي يعطي بلا حساب، ولا يستطيع أحد أن يمنع عطاء الله، فإن الله خالق السموات والأرض وما بينهما، وهو الذي يرزق كل شيءٍ خلقه، ويُعطي من يشاء، ويمنع من يشاء، ولا يسأل عما يفعل، بل هو الحكيم في كل ما يفعل.
وأما المنع فهو من الله أيضًا، فهو الذي يقبض الأرواح، ويمنع الرزق عمن يشاء، ولا يستطيع أحد أن يُجبر الله على إعطاء ما منع، أو على منع ما أعطى، فإن الله يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد، ولا راد لقضائه.
كيف يكون العطاء والمنع من الله سبحانه وتعالى؟
يكون العطاء والمنع من الله سبحانه وتعالى على عدة أوجه، منها:
- الرزق العام الذي يشمل جميع خلقه، فإن الله يرزق الإنسان وغيره من المخلوقات، ولو كان كافرًا أو فاسقًا.
- الرزق الخاص الذي يخص بعض خلقه دون بعض، فإن الله يخص من يشاء من عباده بنعمه، ويُفضل بعضهم على بعض في الرزق.
- التوفيق والإعانة والهداية، فإن الله يوفق عباده لما فيه خيرهم، ويُعينهُم على طاعته، ويهديهم إلى الصراط المستقيم.
- منع التوفيق والإعانة والهداية، فإن الله قد يمنع عباده التوفيق والإعانة والهداية لحكمة يعلمها، وقد يبتليهم بذلك لحكمة أيضًا.
- إعطاء الصحة والعافية، فإن الله يعطي الصحة والعافية لمن يشاء من عباده.
- منع الصحة والعافية، فإن الله قد يمنع الصحة والعافية عن عباده لحكمة يعلمها.
- إعطاء الأبناء، وتيسير إنجابهم، فإن الله يهب الذرية لمن يشاء من عباده.
- منع الأبناء، وتعسير إنجابهم، فإن الله قد يمنع الإنسان الأبناء لحكمة يعلمها.
حكم العطاء والمنع من الله سبحانه وتعالى
حكم العطاء والمنع من الله سبحانه وتعالى حكم عدل وحكمة، فالله لا يعطي عباده إلا ما هو خير لهم، ولا يمنعهم إلا ما هو فيه مصلحتهم، وقد يكون العطاء ابتلاءٍ وامتحانًا للإنسان، وقد يكون المنع رحمة به.
وبالتالي؛ فإن على الإنسان أن يتقبل العطاء والمنع من الله تعالى برضى وقبول، وأن يحسن التصرف فيما أعطاه الله، وأن يصبر على ما منعه الله، وأن يعلم أن الله خيرٌ له من نفسه، وأنه لا يريد به إلا الخير.
حكمة العطاء والمنع من الله سبحانه وتعالى
أما حكمة العطاء والمنع من الله سبحانه وتعالى فتعود إلى عدة أمور، منها:
- اختبار عباده، وتمييزهم بعضهم عن بعض، فالله يبتلي عباده بالعطاء والمنع ليعلم من يشكره منهم على نعمه، ومن يصبر على بلائه.
- تدبير أمر الكون، فإن الله يُعطي ويمنع لحكمة يعلمها، فإن الخلق محتاجون إلى المدبر الحكيم، الذي يُعطيهم ما ينفعهم، ويمنعهم ما يضرهم.
- رحمة عباده، فإن الله قد يمنع العبد بعض النعم رحمة به، وقد يعطيه ما يبتليه به لحكمة يعلمها.
- أن العطاء والمنع من الله تعالى إنما هو لبيان قدرة الله، وعظمته، وحكمته، وعدله.
- أن العطاء والمنع من الله تعالى إنما هو لتذكير الإنسان بفقره إلى الله تعالى، وأن له وحده الأمر، وأن إليه وحده المرجع والمصير.
- أن العطاء والمنع من الله تعالى إنما هو لبيان أن الله تعالى هو الرزاق المانع، وأن لا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه.
- أن العطاء والمنع من الله تعالى إنما هو لبيان أن الله تعالى هو العليم الحكيم، وأنه لا يُعطي أحدًا إلا ما هو خير له، ولا يمنع أحدًا إلا ما هو فيه مصلحته.
كيفية التعامل مع العطاء والمنع من الله سبحانه وتعالى
يجب على المسلم أن يتعامل مع العطاء والمنع من الله سبحانه وتعالى بالرضا والقناعة، وألا يتسخط ما قدره الله له، فإن الله تعالى هو العليم الحكيم، الذي يعلم ما يصلح عباده، وما يضرهم، وبالتالي فإن على المسلم أن يكون راضيًا بما آتاه الله من نعم، وأن يكون صابرًا على ما منعه الله منه.
وعلى المسلم أن يعلم أن العطاء والمنع من الله تعالى إنما هو ابتلاءٌ واختبارٌ من الله تعالى، وأن العبد لا يُبتلى إلا بما فيه صلاحه وخيره، وبالتالي فإن على المسلم أن يصبر على البلاء، وأن لا يتسخط ما قدره الله له، وأن يعلم أن الله تعالى يريد به الخير.
وعلى المسلم أن يشكر الله تعالى على نعمه، وأن يُحسن التصرف فيما آتاه الله من نعم، وأن ينفقها في سبيل الله تعالى، وأن يساعد بها الفقراء والمحتاجين، كما أن عليه أن يصبر على البلاء، وأن يتوكل على الله تعالى، ويعلم أن الله تعالى سيؤجره على صبره، وسيعوضه عما فاته من نعم الدنيا بنعم الآخرة.
الاختلاف في الرزق
أما