واكرم الناس مابين الورى
الاكرام هو خلق عظيم من أخلاق الإسلام، وهو أعلى درجات المعاملة الحسنة، فهو خلق يجمع في طياته كل معاني الخير والفضل والإحسان، حتى أنه يمتد إلى الجمادات كما يمتد إلى الحيوانات، فما بالك بالأحياء والذين هم في أشد الحاجة إلى نيل هذا الخلق.
الأكرم من أكرم الضيف
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أكرموا ضيفكم، فإن جاءكم في صدر النهار فأكرموه إلى آخره، وإن جاءكم عند المساء فأكرموه إلى آخره، فإن ضيف الله ثلاث ليال، فما زاد فهو صدقة عليك”.
فالضيف له حق عظيم على المسلم، يجب عليه أن يكرمه ويحسن ضيافته مهما كان نوعه، ويحرم على المسلم أن يتأذى من ضيفه أو يضيق عليه ولو كان فقيراً أو مجهولاً.
ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد الناس إكراماً للضيف، فقد كان يرحب بهم ويجلسهم في أحسن مكان، ويقدم لهم الطعام والشراب، ويؤنسهم ويشاركهم في حديثهم، حتى أن بعضهم كان يبقى عنده شهوراً ولا يجد أي ضيق منه.
الأكرم من أكرم اليتيم
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين”، وأشار بإصبعيه السبابة والوسطى.
فكفالة اليتيم من أعظم أعمال البر التي حث عليها الإسلام، وهي تعني القيام على شؤونه الدنيوية والدينية، وتربيته وتعليمه، وحمايته ورعايته حتى يبلغ أشده.
وقد أوصانا رسول الله صلى الله عليه وسلم بإكرام الأيتام والإحسان إليهم، فقال: “من مسح رأس يتيم لم يمسحه إلا لله، كتب الله له بكل شعرة مرت عليها يده حسنة، ومن أحسن إلى يتيم كان له وليه في الجنة”.
الأكرم من أكرم والديه
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “بر الوالدين من الجهاد في سبيل الله”.
فبر الوالدين من أوجب الواجبات على المسلم، وهو من أعظم أبواب الخير والبر، وذلك لما لهما من حق عظيم عليهما، فقد تعبا في تربيته ورعايته وإنفاق الأموال عليه حتى بلغ أشده.
وقد حثنا الإسلام على الإحسان إلى الوالدين والإكرام لهما حتى وإن كانا كافرين، فقال تعالى: “وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً”.
الأكرم من أكرم جاره
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه”.
فالجوار من الحقوق العظيمة التي أوجبها الإسلام، وهو يعني المعاملة الحسنة مع الجيران، وإكرامهم، وإعانتهم، وصلة أرحامهم، واحتمال أذاهم.
وقد حثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإحسان إلى الجيران، فقال: “خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه، وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره”.
الأكرم من أكرم المسكين
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “السائل محروم فمن أعطاه قليلاً أو كثيراً فقد أحسن إليه”.
والمسكين هو الذي لا يجد ما يكفيه من القوت والكسوة والمسكن، وهو أحق الناس بالإكرام والمساعدة، لما يعانيه من حاجة وفقر وعوز.
وقد حثنا الإسلام على الإحسان إلى المساكين وإطعامهم وكسوتهم، فقال تعالى: “وآتوا حقه يوم حصاده ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين”، وقال صلى الله عليه وسلم: “من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة”.
الأكرم من أكرم أهل بيته
عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي”.
فإكرام أهل البيت من أعظم أعمال البر التي يتقرب بها المسلم إلى الله تعالى، وذلك لما لهم عليه من حق عظيم، فهم شركاؤه في الحياة، ويعينونه على طاعة ربه.
وقد أوصانا رسول الله صلى الله عليه وسلم بحسن معاملة أهل بيتنا، فقال: “استوصوا بالنساء خيراً، فإنهن خلقتن من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيراً”.
الأكرم من أكرم نفسه
وإكرام الإنسان لنفسه يكون بحفظها عن كل ما يضرها من معاصي الله تعالى، ووقايتها من كل ما يؤذيها من شهوات الدنيا وملذاتها.
وهذا الإكرام يكون أيضاً بالحرص على أداء العبادات والقربات، والمحافظة على الفرائض والسنن، وبذل الجهد في طاعة الله تعالى والبعد عن معصيته.
فمن أكرم نفسه كان عزيزاً عند الله وعند الناس، ومن أهان نفسه كان ذليلاً عند الله وعند الناس.
الخاتمة
وفي الختام، فإن الإكرام خلق عظيم من أخلاق الإسلام، وهو يمتد إلى كل من يستحقه، من الضيف إلى اليتيم إلى الوالدين إلى الجار إلى المسكين إلى أهل البيت إلى النفس.
فالمسلم الاكرم هو الذي يكرم كل هذا فهو الحبيب إلى الله تعالى، والقريب من قلوب الناس، والعالي عند الله وع عند الناس.