يارب اختر لي ولا تخيرني
التوكل على الله تعالى من أهم صفات المسلم المؤمن، والتسليم لقضائه وقدره من أعلى مرات الإيمان، ومن أعظم مظاهر التوكل على الله أن يترك العبد اختيار الأمور لله عز وجل، فيقول كما قال نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم: “اللهم اختر لي ولا تخيرني فإنك إن تخيرني أخطئ وإن تختار لي تصب”.
وهذا يدل على أن العبد لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً، وأن اختيار الله تعالى لعبده هو خير له مما يختار لنفسه، فالله تعالى يعلم ما يصلح عبده وما يضره، ويعلم ما هو خير له في دينه ودنياه وآخرته، وقد قال الله تعالى: “وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون”.
فإذا كان الأمر كذلك، فعلى العبد أن يفوض أمره إلى الله تعالى ولا يخوض في متاهات التفكير والتدبير، فإن التفكير والتدبير يؤدي إلى الحيرة والقلق، وقد يؤدي إلى الضلال والخطأ، أما التسليم لقضاء الله وقدره فيريح القلب ويطمئن النفس ويجعل العبد في مأمن من الوقوع في الخطأ والزلل.
ثمار التوكل على الله تعالى
إن التوكل على الله تعالى له ثمرات عظيمة يعود بها على العبد في دينه ودنياه وآخرته، ومن هذه الثمرات:
- طمأنينة القلب وسكينته، فالمتوكل على الله قلبه مطمئن لا يخشى شيئاً ولا يحزن على شيء، لأنه يعلم أن الله تعالى هو الذي يدبر أموره ويقضي حاجاته.
- التيسير والتوفيق، فالمتوكل على الله ييسر الله له أموره ويسدد خطاه ويوفقه في كل أقواله وأفعاله.
- الفرج والرزق، فالمتوكل على الله يفرج الله عنه كربه ويرزقه من حيث لا يحتسب.
- النصر والتمكين، فالمتوكل على الله ينصره الله على أعدائه ويمكِّنه في الأرض.
فضل التسليم لقضاء الله وقدره
التسليم لقضاء الله وقدره فضل عظيم، ومن فضل التسليم لقضاء الله وقدره:
- أنه يريح القلب ويطمئن النفس، فالمسلم الذي يسلم لقضاء الله وقدره لا يحزن على ما فاته ولا يفرح بما أتاه، لأنه يعلم أن كل ما أصابه من خير أو شر فهو بقضاء الله وقدره.
- أنه يرفع الحرج والمشقة، فالمسلم الذي يسلم لقضاء الله وقدره لا يكلف نفسه فوق طاقتها ولا يحزن على ما فاته، لأنه يعلم أن الله تعالى لا يكلف نفساً إلا وسعها.
- أنه يثبت الإيمان في القلب، فالمسلم الذي يسلم لقضاء الله وقدره يزداد إيمانه بالله تعالى ويقينه بقدرته وحكمته، لأنه يعلم أن الله تعالى هو الذي بيده الخير كله والشر كله.
أسباب ترك الاختيار لله تعالى
هناك أسباب كثيرة تدعو العبد إلى ترك الاختيار لله تعالى، ومن هذه الأسباب:
- أن الله تعالى أعلم بمصالح العباد، فإن الله تعالى يعلم ما يصلح عباده وما يضرهم، ويعلم ما هو خير لهم في دينهم ودنياهم وآخرتهم.
- أن اختيار الله تعالى لعباده هو خير لهم مما يختارون لأنفسهم، فإن الله تعالى يريد لعباده الخير كله، ولا يريد لهم الشر، ولذلك فإن اختياره لهم هو خير لهم مما يختارون لأنفسهم.
- أن ترك الاختيار لله تعالى أريح للقلب وأسلم للعبد، فإن التفكير والتدبير يؤدي إلى الحيرة والقلق، وقد يؤدي إلى الضلال والخطأ، أما التسليم لقضاء الله وقدره فيريح القلب ويطمئن النفس ويجعل العبد في مأمن من الوقوع في الخطأ والزلل.
شواهد من السنة النبوية على ترك الاختيار لله تعالى
وردت في السنة النبوية الشريفة أحاديث كثيرة تحث على ترك الاختيار لله تعالى، ومن هذه الأحاديث:
- عن عائشة رضي الله عنها قالت: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى يقول: اللهم اختر لي ولا تخيرني، فإنك أنت الأعلم بما هو خير لي”.
- وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: “قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقلوا: لو، فإن لو تفتح عمل الشيطان، ولكن قولوا: قدر الله وما شاء فعل”.
- وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: “قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أحب أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره، ويرضى بما قضاه الله له، فليصل رحمه”.
شواهد من القرآن الكريم على ترك الاختيار لله تعالى
وردت في القرآن الكريم آيات كثيرة تحث على ترك الاختيار لله تعالى، ومن هذه الآيات:
- “وقال ربك ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين”. (غافر: 60).
- “قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير”. (آل عمران: 26).
- “قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون”. (التوبة: 51).
كيف نترك الاختيار لله تعالى؟
ترك الاختيار لله تعالى سهل، ولكن يحتاج إلى مجاهدة للنفس وقوة في الإيمان، ويمكن ترك الاختيار لله تعالى من خلال:
- التفويض لله تعالى، وهو أن يوكل العبد أمره إلى الله تعالى ويسلمه إليه، ويؤمن بأن الله تعالى هو الذي يقدر له ما في حياته من خير وشر.
- الرضا بقضاء الله وقدره، وهو أن يرضى العبد بما قدره الله تعالى له، ولا يتسخط عليه، ويؤمن بأن قضاء الله وقدره خير له مما قضى وقدر.
- التوكل على الله تعالى، وهو أن يعتمد العبد على الله تعالى في كل أموره، ويؤمن بأن الله تعالى هو الذي ينصره ويعينه على مواجهة صعوبات الحياة.
الخاتمة
إن ترك الاختيار لله تعالى من أهم صفات المسلم المؤمن، والتسليم لقضائه وقدره من أعلى مرات الإيمان، ومن أعظم مظاهر التوكل على الله أن يترك العبد اختيار الأمور لله عز وجل، وهذا يدل على أن العبد لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً، وأن اختيار الله تعالى لعبده هو خير له مما يختار لنفسه، فالله تعالى يعلم ما يصلح عبده وما يضره، ويعلم ما هو خير له في دينه ودنياه وآخرته.
