يحسبونه هينا وهو عند الله عظيم
بسم الله الرحمن الرحيم، إنَّ اللهَ سبحانه وتعالى جلَّت قدرته وعظمتْ آياته وبراهينه، قد وضعَ للناس في كتابه الكريم من الآيات والعبر والقصص والأحكام ما ينبغي لكلِّ مسلم أن يقرأه ويتدبَّره، ويستخلص منه الفوائد والعظات، وقد كان مِن أهمِّ هذه الآيات وأعمقها لفظاً ومعنى : قوله تعالى: وَإِنَّهُ لَكَبِيرٌ مَقْتًا عِندَ رَبِّكُمْ، وفي موضع آخر قال جلَّ جلاله عن الذَّنْب: يَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ.
الذَّنْب جُرْم جسيم
وإِنَّ الذَّنْب وإن كان صغيراً وهَيِّنًا في أعين العباد إلاَّ أنه عظيم عند الله جلَّ جلاله، قال الإمام المازري رحمه الله: “فإنَّ الذَّنْب ـ وإن قلَّ ـ فإنه عظيم عند الله، فيجب أن يُحاذر العبدُ المؤمن أن يتهاون بشيء من الذُّنوب فإنَّه ذريعة إلى اقتراف الكبائر”، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “فإنَّ الذَّنْب مهما صغر وظنَّه صاحبه هَيِّنًا، فإنه عظيم عند الله، وإنَّه تبارك وتعالى يعظمُ ما عظمَه العبد ويصغِّر ما صغَّره، وقد قال سبحانه: وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ، فإذا كان الأمر كذلك فينبغي للمؤمن أن يبادر بتوبة نصوح من الذُّنوب قبل أن يفاجئه الموت أو تقوم السَّاعة”.
الذَّنْب ظلمة في القلب
وإنَّ الذَّنْب ظلمة في القلب تُورث صاحبها ظلمات عديدة في الآخرة، قال الله تعالى: يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ، وقال سبحانه: يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ، وفي المقابل فإنَّ التوبة من الذُّنوب توجب إشراقَ القلب وتنويرَه بالأنوار الإلهية، قال الله تعالى: ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ، وقال سبحانه: إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ .
الذَّنْب يمحق البركات
إنَّ الذَّنْب يمحق البركات ويقطعها، قال الله تعالى وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا، وقال سبحانه: وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ، وقال تعالى: الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ، وقال عزَّ وجلَّ: يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ، وقال سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ أُولَئِكَ مَا أَوْفَاهُمْ حِسَابُهُمْ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ شَيْئًا إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ.
الذَّنْب يمنع الإجابة
وإنَّ الذَّنْب لمن أعظم الحُجُب بين العبد وبين ربِّه، فهو يمنع إجابة الدُّعاء كما قال سبحانه: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ، وقد قال بعض السَّلف