اللهم إني أبرأ إليك من حولي وقوتي
المقدمة
إن من أعظم ما يدعو إليه ديننا الحنيف هو التوكل على الله سبحانه وتعالى، والاعتراف بأنه وحده هو صاحب القوة والقدرة، وأنه وحده من يملك نفعنا أو ضرنا، وخيرنا أو شرنا، وأننا عباده الضعفاء الفقراء إليه، المذلون بين يديه، الذين لا حول لهم ولا قوة، ولا يملكون لأنفسهم نفعًا ولا ضرًا، ولا موتًا ولا حياةً ولا نشورًا.
ضعف الإنسان وقلة حيلته
خلق الله تعالى الإنسان ضعيفًا مهينًا، لا حول له ولا قوة، ولا يستطيع لنفسه نفعًا ولا دفع ضر، قال الله تعالى: “وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ” (المؤمنون: 12)، وقال تعالى: “خُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا” (النساء: 28)، وقال تعالى: “وَإِنَّ الْإِنسَانَ لَضَعِيفٌ” (النساء: 28)، وقد جعل الله تعالى هذه الطبيعة البشرية ثابتة لا تتغير، لا تزيد قوةً ولا تنقص ضعفًا، بل تبقى على حالها طوال عمر الإنسان، مهما بلغ من القوة والمنعة، قال الله تعالى: “وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَبَنَاتٍ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ” (النحل: 72)، وقال تعالى: “وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ” (النحل: 78).
ومن مظاهر ضعف الإنسان وقلة حيلته أنه لا يملك لنفسه الحياة أو الموت، ولا يملك لنفسه الرزق، ولا يملك لنفسه النفع أو الضر، قال الله تعالى: “اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ” (الزمر: 42)، وقال تعالى: “وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ” (لقمان: 34)، وقال تعالى: “وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ” (الأنفال: 24).
فالإنسان ضعيف محتاج إلى ربه في كل أموره، لا يستغني عنه طرفة عين، ولا يستطيع أن يدفع عن نفسه ضرًا أو ينفع نفسه نفعًا إلا بإذن الله تعالى، قال الله تعالى: “وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ” (النحل: 70)، وقال تعالى: “وَقَالَ رَبُّكَ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ” (غافر: 60).
حقيقة التوكل على الله
التوكل على الله هو الاعتماد عليه سبحانه وتعالى في جميع الأمور، والاستعانة به وحده، والتسليم لقضائه وقدره، والرضا به، واليقين بأنه لا حول ولا قوة إلا به، قال الله تعالى: “فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ” (آل عمران: 159)، وقال تعالى: “إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا” (الطلاق: 2-3).
والتوكل على الله يقتضي أمورًا ثلاثة:
- التفويض إلى الله في الأمور كلها، وعدم التعلق بالوسائل والأسباب المخلوقة، قال الله تعالى: “إِلَيْهِ يَرْجِعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ” (الشورى: 53)، وقال تعالى: “وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ” (الشورى: 52).
- الرضا بقضاء الله وقدره، وحسن الظن به سبحانه وتعالى، قال الله تعالى: “لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ” (الحديد: 23).
- عدم الخوف من المخلوقين، والاعتماد على الله وحده، قال الله تعالى: “عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ” (هود: 123).
آثار التوكل على الله
للتوكل على الله آثار عظيمة في حياة الإنسان، منها:
- النصر والتمكين، قال الله تعالى: “وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ” (الطلاق: 3).
- المودة والرحمة من الله تعالى، قال الله تعالى: “وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُد