لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً
“لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً” هي آية قرآنية كريمة، نزلت في سورة الطلاق، وتحديداً في الآية رقم 1، وهي تحمل معانٍ عميقة ودروساً عظيمة، وتحث على التفاؤل والأمل في المستقبل، وعدم اليأس أو القنوط مهما كانت الظروف.
1. التوكل على الله:
تدعو الآية الكريمة إلى التوكل على الله تعالى، والثقة في أنه هو وحده القادر على تغيير الأحداث، وتحسين الظروف، وإحداث ما فيه الخير لعباده، قال تعالى: وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين.
يجب على المسلم أن يضع ثقته الكاملة بالله تعالى، ويسلمه أمره، فإن الله لا يخيب من توكل عليه، ولا يضيع أجر المحسنين، ومن يتوكل على الله فهو حسبه، إن الله بالغ أمره، قد جعل الله لكل شيء قدراً.
وحتى في أحلك الظروف، يجب على المسلم ألا يفقد الأمل، وأن يتذكر أن الله قادر على قلب الأمور رأساً على عقب، كما حصل مع سيدنا يوسف عليه السلام، الذي صبر على المحن والشدائد، حتى منَّ الله عليه بالفرج والنصر.
2. التفاؤل بالمستقبل:
تحث الآية الكريمة على التفاؤل بالمستقبل، وعدم الاستسلام لليأس أو القنوط، قال تعالى: ولعلك تكرهون شيئاً وهو خير لكم، ولعلكم تحبون شيئاً وهو شر لكم، والله يعلم وأنتم لا تعلمون.
قد يبدو الأمر سيئاً في الوقت الحاضر، لكن يجب على المسلم ألا يتعجل الأمور، وأن ينظر إلى المستقبل بتفاؤل، فالله تعالى يقدر الخير لعباده في وقت قد لا يعلمونه، وقد تبدو الأمور سيئة في البداية، لكنها قد تحمل في طياتها الخير الكثير.
ومن القصص الملهمة في هذا الصدد، قصة الشاب الذي كان يحزن على فقدانه لإبله، لكن الله عوضه عنها برزق أفضل، وجاء في الآية الكريمة: فصبر جميلاً، فلما نفدت زادهم قال لفتيانه أنزلو متاعكم، إنا قد بلغنا من ليلتنا هذه منزلاً إن شاء الله، قالوا يا موسى إنا لما صبرنا أول مرة لم نصبر، قال إن مع الله لرزقنا، إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين.
3. الاعتماد على الأسباب:
لا يعني التوكل على الله والتفاؤل بالمستقبل أن يلغي المسلم الأسباب، بل يجب عليه الأخذ بالأسباب والعمل بجد، ثم التوكل على الله تعالى، قال تعالى: والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا، وإن الله لمع المحسنين.
والتوكل على الله لا يتعارض مع الأخذ بالأسباب، بل يكمله، فالمسلم يأخذ بالأسباب ويجتهد، ثم يترك النتيجة على الله تعالى، ولا يقلق أو يحزن إذا لم تتحقق النتيجة التي كان يسعى إليها، فالله تعالى يعلم ما لا يعلم، وهو يقدر الخير لعباده.
وقد ضرب لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة في الأخذ بالأسباب، ففي غزوة الخندق، أمر الصحابة بحفر خندق حول المدينة، ثم توكل على الله تعالى، ودعا الله بالنصر، فاستجاب الله دعاءه، ومنحه النصر على أعدائه.
4. الصبر على البلاء:
حثت الآية الكريمة على الصبر على البلاء والشدائد، وعدم الاستعجال في طلب الفرج، قال تعالى: وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون.
الصبر من أعظم الأخلاق التي يتحلى بها المؤمن، وهو يثبت له عند المصائب والشدائد، ويمنحه الأمل في الفرج القريب، قال تعالى: يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون.
وقد ضرب لنا سيدنا أيوب عليه السلام أروع الأمثلة في الصبر على البلاء، فقد أصابه البلاء الشديد، فصبر على ذلك وصابر، ولم يجزع أو يقنط من رحمة الله تعالى، حتى منَّ الله عليه بالفرج والشفاء.
5. الحكمة في أقدار الله:
وتدعو الآية الكريمة إلى اليقين بأن أقدار الله تعالى كلها حكمة، وأن ما يصيب المسلم من خير أو شر، فهو فيه خير له، قال تعالى: وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم، ولعلكم تحبون شيئاً وهو شر لكم، والله يعلم وأنتم لا تعلمون.
قد لا يدرك المسلم حكمة الله تعالى من بعض الأحداث التي تصيبه، لكن عليه أن يؤمن بأنها في الخير له، وأن الله تعالى لا يفعل إلا ما فيه خير لعباده، قال تعالى: وقال ربكم ادعوني أستجب لكم.
ومن الأمثلة على ذلك، قصة سيدنا موسى عليه السلام مع الخضر عليه السلام، فقد كان موسى يتعجب من أفعال الخضر في البداية، لكنه عندما علم حكمة أفعاله، أدرك أنه لا يعلم إلا القليل من علم الله تعالى.
6. الإيمان بالقضاء والقدر:
تدعو الآية الكريمة إلى الإيمان بالقضاء والقدر، وأن كل شيء بيد الله تعالى، وهو الذي يقدر الأمور ويحكم فيها، قال تعالى: لا إله إلا الله، له الحمد في الأولى والآخرة، وله الحكم وإليه ترجعون.
يجب على المسلم ألا يعترض على قدر الله تعالى، وأن يرضى بما قسمه له، فإن الله تعالى لا يظلم أحداً، وهو يعلم ما لا يعلمون، قال تعالى: إن الله لا يظلم مثقال ذرة، وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجراً عظيماً.
والمسلم الذي يؤمن بالقضاء والقدر لا يعترض على أحداث الحياة، ولا يتذمر أو يحزن عليها، بل يسلم أمره إلى الله تعالى، ويؤمن بأن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه.
7. التمسك بالأمل:
ختاماً، تدعونا الآية الكريمة إلى التمسك بالأمل وعدم اليأس مهما كانت الظروف، قال تعالى: ولا تيأسوا من روح الله، إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون.
فالآية الكريمة تدعو إلى التمسك بالأمل دائماً، وعدم الاستسلام لليأس أو القنوط، فمهما كانت الظروف صعبة، يجب على المسلم ألا يفقد الأمل في رحمة الله تعالى.
ومن قصص الأمل الشهيرة، قصة سيدنا يوسف عليه السلام، الذي صبر على المحن والشدائد، ولم يفقد الأمل في الفرج، حتى منَّ الله عليه بالفرج والنصر، وأصبح عزيز مصر.