حسن الظن بالله قصص الصحابة
مقدمة
حسن الظن بالله تعالى من أسمى مراتب العبودية، وهو الثقة المطلقة بالله في كل أمور الحياة، واليقين بأنه ناصر عباده، لا يخيب سعيهم ولا يضيع عملهم. وقد ضرب لنا الصحابة الكرام أروع الأمثلة في حسن الظن بالله، فتاريخهم حافل بالقصص التي تدل على عمق إيمانهم وثقتهم بربهم.
الإيمان بالنصر الإلهي
كان الصحابة على يقين تام بنصر الله لهم، مهما كانت الظروف صعبة. ففي غزوة الأحزاب، عندما اجتمعت قوى الكفر ضد المسلمين وحاصروهم في المدينة المنورة، لم يتزعزع إيمان الصحابة، بل كانوا على ثقة بأن الله سينصرهم. وقد صدق ظنهم، إذ أيدهم الله بالنصر وفرق الأحزاب.
وفي غزوة بدر، عندما خرج المسلمون لمواجهة جيش قريش الذي كان يفوقهم عددًا وعدة، كان نبي الله صلى الله عليه وسلم على يقين بأن الله سينصرهم. وقد تحقق وعد الله، وهزم المسلمون قريشًا هزيمة منكرة.
وفي غزوة حنين، عندما أصيب المسلمون بالرعب وتقهقروا أمام جيش هوازن، صبر النبي صلى الله عليه وسلم وثبت على مكانه، وأيقن أن الله سينصرهم. وقد استجاب الله دعاءه، وانقلب المسلمون على الهاربين وهزموا هوازن.
التوكل على الله في الأمورالدنيوية
لم يقتصر حسن ظن الصحابة بالله على الأمور الدينية، بل شمل أيضًا الأمور الدنيوية. كانوا يتوكلون على الله في رزقهم وأموالهم وصحتهم، ويرضون بقضائه وقدره. فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لو أنكم توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصًا وتروح بطانًا”.
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أنه قال: “ما رأيت رجلاً قط أشد توكلاً على الله من أبي بكر الصديق رضي الله عنه. كان إذا أمسى لا يدري ما عشاؤه، وإذا أصبح لا يدري ما غداؤه”.
وعن زيد بن ثابت رضي الله عنه أنه قال: “ما وضعت لقمة في فمي أحلى وأطيب من لقمة أكلتها من حائط كنت أهله، كنت أجوع حتى يدق بطني، فأذهب فأجمع ما سقط من التمر من النخل، فأأكله، فما كان تمرة قط أطيب من ذلك في فمي”.
الثقة في عفو الله ومغفرته
كان الصحابة على يقين بأن الله يغفر الذنوب ويتجاوز عن السيئات لمن تاب وأناب إليه. فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “والذي نفسي بيده، لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم”.
وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها”.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لا ييأس من روح الله إلا الكافرون”.
الرضا بالقضاء والقدر
كان الصحابة راضين بقضاء الله وقدره، مهما كان مؤلمًا أو صعبًا عليهم. فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لا يقولن أحدكم: لو أني فعلت لكانت كذا وكذا، ولكن ليقل: قدر الله وما شاء فعل”.
وعن ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “بينما رجل يمشي إذ سمع صوتًا من السماء يقول: يا ابن آدم سل تعط، وإذا سألت فقل: يا الله يا غفور اغفر لي، فإن المغفرة لي وحدي”.
وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “اعلموا أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرًا”.
الصبر على البلاء والابتلاء
كان الصحابة صابرين على البلاء والابتلاء الذي يصيبهم، لأنهم كانوا على يقين بأن الله معهم، وأن ما يصيبهم هو لصالحهم في الدنيا والآخرة. فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إذا مرض أحدكم أو أصيب بضر فليقل: اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدًا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي”.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ما يصيب المسلم من وصب ولا نصب ولا هم ولا حزن ولا أذى حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه”.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف”.
اللجوء إلى الله في الشدائد
كان الصحابة يلجؤون إلى الله في كل شدة وكرب، ويدعونه وحده دون سواه. فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إذا قال العبد: الله الله ربي لا أشرك به شيئًا، كشف عنه ما نزل وما كان”.
وعن ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إذا كربت أو حزنت فقل: يا الله، يا رحمن، يا رحيم”.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ليس من عبد يقول عند كربته: اللهم إني عبدك، ابن عبدك، ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدًا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي، إلا استجاب الله له”.
الخاتمة
إن حسن الظن بالله من أهم صفات العباد المؤمنين، وهو سبب لجلب الفرج والرزق ودفع المكاره. وقد ضرب لنا الصحابة الكرام أروع الأمثلة في حسن الظن بالله، فلنقتد بهم ونتوكل على الله في كل أمورنا، ونحسن الظن به في السر والعلن.