شكراً يا الله
الحمد لله، رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، والشكر لله الذي فضل علينا من غير حول منا ولا قوة، وصلى الله وسلم وبارك على خير الخلق أجمعين محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً.
الشكر لله تعالى عبادة جليلة، وأمرٌ عظيم، وهو من أفضل القربات وأحبها إلى الله عز وجل، وقد جاء في السنة المطهرة ما يبين فضل الشكر ومدى عظم منزلته عند الله تعالى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها، أو يشرب الشربة فيحمده عليها” رواه مسلم.
1. نعم الله الظاهرة:
إن من نعم الله الظاهرة علينا أن خلقنا مسلمين، وأخرجنا من الظلمات إلى النور، وجعلنا من أمة سيد الخلق وخاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم، كما أنعم الله علينا بالأمن والصحة والعافية ونعم الدنيا ومباهجها.
فكم من الناس من يموت على غير الإسلام، وكم من الناس من رزق أجساماً عليلة وضعيفة، وكم من الناس من يعيش في شظف من العيش وفاقة.
لذا فإن شكر الله تعالى على هذه النعم الظاهرة يجب أن يكون باللسان بالقلب والجوارح، فباللسان نكثر من الحمد والثناء لله على نعمه، و بالقلب نشعر بعظيم نعمة الله علينا ونعترف بهذه النعمة ونقدرها حق قدرها، وبالجوارح نستخدم هذه النعم فيما يرضي الله تعالى ويبعدنا عن سخطه وعقابه.
2. نعم الله الباطنة:
ونعم الله الباطنة هي أكثر من نعمه الظاهرة، بل هي أعظم منها وأجل، ولولاها لما انتفعنا بالنعم الظاهرة.
ومن هذه النعم الباطنة: العقل الذي به نفكر، والقلب الذي به نحب الله تعالى ونخافه ونرجوه، والنفس التي بها نحيا ونتحرك، والإرادة التي بها نختار ونسعى.
وهذا إضافة إلى نعم أخرى كثيرة لا تحصى، وهي نعم الله التي بها نستطيع أن نعيش ونسترزق ونتعبد ونتقرب إلى الله سبحانه وتعالى.
3. فوائد شكر الله:
لشكر الله تعالى فوائد كثيرة تعود على العبد في الدنيا والآخرة، ولعل من أبرز هذه الفوائد:
– زيادة النعم ومضاعفتها:
– قال الله تعالى: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ [إبراهيم: 7].
– دخول الجنة:
– قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”من قال حين يصبح: الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور، قال الله تعالى: صدق عبدي، لولا أني أحببت أن يحمدني لأمته إياه حتى أصبح، ثم قال: ومن قال حين يمسي: الحمد لله الذي عافانا في أجسادنا وكفى السوء أهل بيتنا ورزقنا من فضله يومنا هذا، قال الله تعالى: صدق عبدي، لولا أني أحببت أن يحمدني لأمته إياه حتى أمسى، ثم قال: فهذا في كل يوم مرتين”، رواه البخاري.
– حصول رضى الله ومحبته:
– قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها، أو يشرب الشربة فيحمده عليها”، رواه مسلم.
4. صور شكر الله تعالى:
إن صور شكر الله تعالى كثيرة ومتنوعة، وكل ما أمر به الله تعالى عباده من واجبات وأوامر ونواهي فهو من صور شكر الله تعالى.
ومن أبرز صور شكر الله تعالى:
– عبادته وحده لا شريك له، والدعاء له والتوكل عليه.
– طاعته فيما أمر وترك معاصيه فيما نهى عنه.
– ذكره والثناء عليه وحمده على نعمه الظاهرة والباطنة.
– استعمال نعم الله فيما يرضيه وينفع عباده.
– الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
– الدعوة إلى الله تعالى وتعليم الناس دينهم.
5. المحامد لله:
ولله سبحانه وتعالى المحامد كلها، والشكر له حق واجب، ونحن لا نوفي حق الله من الشكر والعبادة مهما فعلنا وقلنا.
وإنما نقول كما قال سيدنا موسى عليه السلام: وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا [إبراهيم: 34].
فسبحان من له الدوام والبقاء، ولا يزال ولا يزول، ولا ينقص ولا يندثر، ولا يتغير ولا يتبدل، ولا يحول ولا يزول.
6. الأسباب التي تحول بين العبد وشكر الله:
هناك أسباب وعوامل تحول بين العبد وبين شكر الله تعالى، ومن هذه الأسباب:
– الجهل بالله وبنعمائه وأسمائه الحسنى وصفاته العلى.
– عدم التأمل في نعم الله الكثيرة الظاهرة والباطنة.
– كثرة الذنوب والمعاصي التي تغطي على قلب العبد وتمنعه من معرفة ربه وحمده.
– حب الدنيا والانشغال بها عن شكر الله تعالى.
– الغرور بالنفس والاستكبار عن شكر الله.
– الرياء وحب الظهور.
7. وسائل تجلب الشكر:
هناك وسائل وأسباب تساعد العبد على شكر الله تعالى، ومن هذه الوسائل:
– معرفة الله معرفة صحيحة وتدبر أسمائه الحسنى وصفاته العلى.
– معرفة نعم الله الكثيرة الظاهرة والباطنة.
– التأمل في نعم الله وتدبر عظيم قدرها وجزيلها.
– كثرة ذكر الله تعالى وشكره وحمده على نعمه.
– اتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم في الشكر لله تعالى.
– الابتعاد عن الذنوب والمعاصي التي تحول بين العبد وبين شكر الله تعالى.
وفي الختام، فإن الشكر لله تعالى هو عبادة عظيمة وأمر جليل، وهو من أفضل القربات وأحبها إلى الله تعالى، فنسأل الله تعالى أن يوفقنا لشكر نعمه الظاهرة والباطنة، وأن يجعلنا من الشاكرين الذاكرين.