اللهم انت حسبي ووكيلي وقوتي
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
مقدمة
إن من أعظم الأدعية وأكثرها تكرارًا على لسان المؤمنين هو هذا الدعاء: “اللهم أنت حسبي ووكيلي وقوتي”. وهذا الدعاء يحمل في طياته معاني عظيمة وتوحيد خالص لله تعالى، وهو بمثابة حصن حصين للمؤمن يجعله يواجه كل صعاب الحياة ومتاعبها بثبات ويقين.
معنى “حسبي”
تعني “حسبي” أي “كافيني”، فالمؤمن عندما يقول “اللهم أنت حسبي” فهو بذلك يعترف بأن الله وحده هو الكافي له، ولا يحتاج إلى أحد سواه ليكفيه شرور الدنيا وفتنها.
وعندما نتأمل سيرة الرسول الكريم نجد أنه كان يردد هذا الدعاء كثيرًا، فقد ورد في السنة أنه كان يقول: “حسبنا الله ونعم الوكيل” في أشد المواقف وأصعبها.
ومن أمثلة ذلك موقعة بدر الكبرى، فقبل خوض غمار هذه المعركة الفاصلة بين المسلمين والمشركين، وقف الرسول الكريم أمام جيشه وقال: “اللهم إن تهلك هذه العصابة اليوم لا تُعبد في الأرض أبدًا”.
معنى “وكيل”
تعني “وكيل” أي “متولي أمري”، فالمؤمن عندما يقول “اللهم أنت وكيل” فهو بذلك يوكل أمره إلى الله وحده، ويعلم أن الله تعالى هو خير وكيل.
ووكالة المؤمن لله تعالى تكون في كل أموره وشؤونه، صغيرها وكبيرها، سهلها وصعبها، فيقينًا أنه وكل أمره إلى خير وكيل.
ولعلنا نستذكر وصية رسول الله الكريم لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، عندما قال له: “يا علي، كن لله يكن لك، واعمل لله يكن معك، وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله”.
معنى “قوتي”
تعني “قوتي” أي “قوتي ومعيني”، فالمؤمن عندما يقول “اللهم أنت قوتي” فهو بذلك يستمد قوته من الله سبحانه وتعالى، ويؤمن بأن الله هو وحده القادر على تقويته وتمكينه.
ومن الآيات الكريمة التي تدل على قوة المؤمنين بالله قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم، ومن الأحاديث النبوية التي تدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: “المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف”.
وتجلت قوة المؤمنين بالله تعالى في كثير من المواقف التاريخية، ففي معركة أحد بعد استشهاد حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه، وقف الرسول الكريم أمام جيش المشركين وقال: “أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب”.
الحاجة إلى هذا الدعاء في وقتنا الحاضر
إننا في أمس الحاجة إلى هذا الدعاء في وقتنا الحاضر، في زمن كثرت فيه الفتن والمحن، وضعفت فيه النفوس ووهنت العزائم.
فالمؤمن الصادق هو من يعتصم بالله ويستعين به وحده، وهو من يردد هذا الدعاء بإخلاص ويقين، ليكون حسبه وكافيه وقوته ومعينه.
ولعلنا نستذكر قول الله تعالى: ومن يتوكل على الله فهو حسبه، وقوله صلى الله عليه وسلم: “من اتقى الله وقاه، ومن توكل على الله كفاه”.
أمثلة على فضل هذا الدعاء
ورد في فضل هذا الدعاء الكثير من الآثار والأحاديث النبوية الشريفة، منها:
عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ما من عبد قال: اللهم أنت حسبي ووكيلي وقوتي إلا وكل الله به ملكًا يقول: حسبك ورعاك وكفاك”.
وعن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: “اللهم أنت حسبي ووكيلي وقوتي، عليه توكلت وإليه أنيب”.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “من قال عند مساء كل يوم: اللهم أنت حسبي ووكيلي وقوتي، ثلاث مرات، كفاه الله أمر دنياه وآخرته”.
الخاتمة
إن دعاء “اللهم أنت حسبي ووكيلي وقوتي” هو دعاء عظيم يحمل في طياته معاني عظيمة، ويجلب لصاحبه الخير الكثير والفضل العظيم.
فالمؤمن عندما يردد هذا الدعاء بإخلاص ويقين، يكون قد استند إلى ركن وثيق وقوة لا تضاهى، وبهذا يكون قد وضع نفسه في كنف الله تعالى، وكفاه الله شرور الدنيا وفتنها.
فنسأل الله تعالى أن يجعلنا من المتوكلين عليه، الصادقين في دعائهم، وأن يجعلنا من عباد الله الصالحين.